الاستغفار في القرآن الكريم
يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: (وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار)، فتارة يؤمر به، كقوله تعالى: (( وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:199]، فهذا أمر من الله بالاستغفار وحض عليه (وقوله: (( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ))[هود:3]، وتارة يمدح أهله، كقوله تعالى: (( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ))[آل عمران:17] وقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))[آل عمران:135]) وهذه من أعظم الآيات التي أخذ العلماء منها أحكام الاستغفار.قال: (وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره)، أي: من جملة ما ندب به الله تعالى عباده إلى الاستغفار وبين لهم فضله أنه يذكر أنه يغفر لمن يستغفره، كما في قوله تعالى: (( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ))[النساء:110]، وقوله تعالى: (( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ))[المدثر:56].فالله يجازي من استغفره بالغفران، كما في الحديث الصحيح: ( وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )، ففضل الله أعظم، فإذا استغفره العبد غفر الله له.يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: (وكثيراً ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذٍ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع من الذنوب بالقلوب والجوارح) وهذا أحد المعاني (وتارة يفرد الاستغفار ويرتب عليه المغفرة)، يفرده ويرتب عليه وقوع المغفرة ولا يذكر معه التوبة.وهذا الكلام فصله ابن القيم أيضاً، فقال رحمه الله تعالى: (وأما الاستغفار فهو نوعان: مفرد ومقرون بالتوبة، فالمفرد كقول نوح عليه السلام: (( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ))[نوح:10]، وقول صالح لقومه: (( لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))[النمل:46]) وأمثاله كثيرة.قال: (والمقرون كقوله تعالى: (( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ))[هود:3]).وقد ذكرنا ما قال شعيب وصالح عليهما السلام، وفي حديث كفارة المجلس قرن الاستغفار بالتوبة، وهذا ما سنبينه فيما بعد، أعني العلاقة بينهما.